الاثنين، 8 سبتمبر 2014

التصنيف:

البشر يفضلون الموت صعقًا بالكهرباء على الصمت المنعزل

download (3)


قد تكون صورة الشخص الجالس وحيداً على كرسي، وهو ساهم وغارق في تفكير منفرد، صورة نمطية شائعة عن الوحدة القصوى للكائن الإنساني.


ويبدو أن العلم يرى أن تلك الصورة صحيحة في دلالاتها، لكن ينقصها القول إن معظم البشر ينفرون منها، بل تصل مشاعرهم السلبيّة حيالها إلى حدّ أنهم ربما فضلوا الموت صعقاً على كرسي كهربائي، بدل الاستمرار في الجلوس الصامت الغارق في تفكير منفرد على كرسي العزلة الفرديّة.


وأضافت صحيفة الحاة اللندنية، أنه بعد إنجاز قرابة 11 دراسة واسعة، وجد الاختصاصي الأميركي في علم النفس تيموثي ويلسون وزملاؤه في جامعتي فيرجينيا وهارفرد، أنّ عموم البشر لا يحبّون تمضية أوقات (ولو وجيزة) بمفردهم في غرفة من دون فعل أيّ شيء سوى التفكير والتأمّل والاسترسال في أحلام اليقظة.


وشملت تلك الدراسات أشخاصاً من أعمار متفاوتة، ما زاد من صلابة استنتاجاتها في شأن موضوعها. وبشكل عام، استمتع المشاركون أكثر حين مارسوا نشاطاً ما حتى لو اقتصر الأمر على الاستماع إلى الموسيقى أو استخدام هاتف ذكي.


ونبّه ويلسون وزملاؤه إلى أنّ الأشخاص الذين يحبّون الاسترخاء من أجل التفكير ليس إلا، ربما وجدوا نتائج هذه الدراسة مفاجئة. وبطرافة، اعترف أولئك الدارسون بأن بعضهم يملك سلوكاً مخالفاً لما ذهبت إليه الدراسة، بمعنى تفضيل العزلة والسكون والتأمل المنفرد الصامت!


في المقابل، أظهر المشاركون في تلك الدراسة أنهم يفضّلون الانخراط في عمل ما، بغض النظر عن نوعيته، على عدم القيام بأيّ شيء سوى التفكير المنعزل، حتى لو لم يدم سوى قليل من الوقت. ولاحظ ويلسون وفريقه أنه حتى الأشخاص المتقدّمين في السن لم يبدوا رغبة في الجلوس بمفردهم والاستغراق في تفكير منعزل.


ونشرت نتائج الدراسة خلال الصيف الجاري في مجلة «ساينس» العلمية الشهيرة، وهي ناطقة بلسان «الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم».


وفق معطيات الدراسة عينها، أوضح ويلسون وفريقه أن رفض العزلة لا يعود إلى الوتيرة السريعة التي تعيشها المجتمعات المعاصرة، وكذلك يصعب نسبتها إلى هيمنة الأجهزة الإلكترونيّة (خصوصاً الهواتف الذكيّة)، على الحياة اليومية للناس.


في المقابل، ذهب ويلسون وفريقه إلى القول بأن أجهزة الاتصالات الذكيّة ربما تكون وسيلة لتلبيّة رغبة الأشخاص في إشغال أنفسهم على الدوام. وفي الدراسة أيضاً، أشار ويلسون إلى أنّ استطلاعات الرأي الواسعة النطاق أظهرت أنّ الأشخاص يفضّلون بشكل عام عدم الانقطاع عمّا يحدث من حولهم.


وشدّد على أن تلك الاستطلاعات لفتت إلى أنّ الأميركيين يمضون أوقاتاً في القراءة ومشاهدة التلفزيون والتحدّث مع الآخرين، لكنهم لا يمضون وقتاً طويلاً أو لا يخصصون مساحة واسعة للاسترخاء والتفكير بصمت.


واستنتج ويلسون وفريقه أنّ عقل البشر مصمّم للبقاء على صلة بما يحيط به. ولاحظوا أنه «حتى حين نكون بمفردنا، ينصبّ تركيزنا على العالم الخارجي. ومن دون تلقّي تدريبات في التأمّل أو دراسة تقنيات السيطرة على الفكر التي لا تزال تعتبر صعبة، يفضّل معظم الأشخاص المشاركة في نشاطات تخرجهم من العزلة والصمت».


وخلال تجارب أجراها ويلسون وفريقه، طُلب من المشاركين الجلوس بمفردهم في غرفة مختبر غير مزيّنة، وتمضية 15 دقيقة من دون هاتف خليوي ولا مواد للقراءة أو أدوات للكتابة، ما يوجب عليهم تسلية أنفسهم بأفكارهم. بعدها، أجاب المشاركون عن أسئلة حول مدى استمتاعهم بتلك التجربة، وإذا واجهوا صعوبة في التركيز وما إلى ذلك.


وأجاب معظم المشاركين أنهم وجدوا صعوبة في التركيز، وكان تفكيرهم متشتّتاً، على رغم أن لا شيء كان موجوداً حولهم ليشتت انتباههم.


بشكل عام، أشار المشاركون في تلك الدراسات إلى أنهم لم يستمتعوا بتجربة التفكير المنعزل، وجرى التوصّل إلى نتيجة مشابهة في دراسات إضافية أُجريت مع السماح للمشاركين بالجلوس بمفردهم للتفكير بصمت وانعزال، لكن في منازلهم.


وأشار ويلسون وفريقه إلى أن دراساتهم وجدت أنّ ثلث الأشخاص أقرّوا بأنهم اضطروا إلى الخروج عن قواعد التجربة في المنزل، كي يمارسوا نشاطات مثل الاستماع إلى الموسيقى أو استخدام هاتف ذكي أو غيرها.


وفي خلاصة واضحة، استنتج ويلسون وفريقه أن المشاركين لم يحبّوا تجربة التفكير المنعزل، لا في المنزل ولا في المختبر.


وفي مرحلة تالية، أخذ الباحثون دراستهم إلى خطوة أبعد، وبما أنّ معظم الأشخاص يفضّلون القيام بعمل معيّن بدلاً من مجرّد الجلوس والتفكير، طرح الباحثون سؤالاً عن إمكان الانخراط في نشاط «كريه»، بدلاً عن عدم القيام بأي شيء، وأظهرت النتائج أنّ عدداً كبيراً من الأشخاص يفضّلون أن يمارسوا نشاطات يمقتونها، بدلاً من الجلوس على كرسي العزلة.


كما جرى وضع المشاركين في الظروف نفسها التي وُضع فيها آخرون في دراسات مماثلة، مع إضافة خيار صعق النفس بشحنة كهربائية خفيفة بواسطة الضغط على زر.


واختار 12 من أصل 18 رجلاً صعق نفسه بشحنة كهربائية خلال فترة التفكير المنعزل التي بلغت مدتها 15 دقيقة في الدراسة، مقابل 6 من أصل 24 امرأة.


وتعرّض هؤلاء المشاركون إلى صعقة كهربائية قبل خوض التجربة، كي يعرفوا مدى الألم الذي تولّده.


ولفت ويلسون وزملاؤه إلى أنّهم لا يزالون يجرون بحوثاً لمعرفة الأسباب الحقيقيـــة التي تجعل الناس يجدون صعوبة في الجلوس منفردين والتفكير بصمت في عزلة عن الآخرين، ومال الباحثـون للـول بأن الناس يحبّون الاسترسال في أحلام اليقــظة في أوقات معيّنة، إلا أنّ ذلك يكون ممتعاً أكثر حين يتمّ بشكل عفوي، ويضحي عذاباً لا يطاق حين يكون أمراً مفروضاً عليهم.









0 التعليقات:

إرسال تعليق